هبت في الظلمات» فتلك الأجزاء الواقفة لا شك أنها كانت في الظلمات ، لأن الظلمة عدم النور ، فلما حركها الله [تعالى (١)] كان ذلك عبارة عن قوله : «وريح الله هبت عليها».
وثانيهما (٢) : أن يقال : إن تلك الأجزاء كانت متحركة من الأزل إلى الأبد ، وهذا مذهب ديمقراطيس ، فإنه زعم : أن هذه الأجسام المحسوسة مركبة (٣) من أجزاء لا تتجزأ ، وكل واحد منها قابل للتجزئة الوهمية ، وغير قابل للتجزئة الوجودية ، وكل واحد منها على شكل الكرة ، لأن الطبيعة البسيطة لا تفيد إلا شكلا متشابه الجوانب ، وهو الكرة. والخلاء أيضا متشابه الأجزاء ، فلم يكن بأن يبقى كل واحد من تلك الأجزاء في حيز معين ، أولى من أن يحصل في حيز آخر ، فلهذا السبب وجب في كل واحد من تلك الأجزاء ، أن ينتقل من حيز إلى حيز ، فلهذا السبب وجب فيها ، أن تكون متحركة لذواتها من الأزل إلى الأبد ، ثم اتفق في أثناء تلك الحركات أن تضامت تلك الأجزاء على وجه خاص وتدافعت ، واعتمد البعض على البعض ، فاستدارت على نفسها ، فذلك المستدير هو الفلك. وأما الأجسام التي كانت موجودة في جوف الفلك ، فكل ما كان متصلا بقعر (٤) الفلك حصلت السخونة القوية فيه ، وهو النار. والذي كان في غاية البعد من الفلك ، وهو الذي حصل في المركز ، حصلت البرودة العظيمة فيه ، والكثافة العظيمة ، وذلك هو الأرض. ثم الذي حصل في جوف كرة النار هو الهواء ، لأن بين النار وبين الهواء مشابهة ومناسبة. والذي حصل فوق الأرض هو الماء. فحصل بهذا الطريق : هذه
__________________
(١) تعالى من (ت) ونص التوراة هو حسب ترجمة الآباء اليسوعيين في بيروت «في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة. وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله : ليكن نور ، فكان نور ... إلخ» [تكون ١ : ١ ـ ٣] والمؤلف ـ يرحمهالله ـ نقل النص عن توراة اليهود. لأن في توراة اليهود : «وريح الله» بدل «وروح الله» في تراجم النصارى.
(٢) والثاني (ت)
(٣) مشتركة (ت)
(٤) بعنصر (ت)