وهذه الأقسام الثلاثة بأسرها باطلة ، فالقول : بعدم العالم : باطل.
أما القسم الأول : وهو أن يعدم العالم ، لأجل أن الفاعل المختار يعدمه. فنقول : هذا باطل ويدل عليه وجوه :
الأول : إن القدرة صفة مؤثرة ، فلا بد لها من أثر. والعدم نفي محض ، وسلب صرف ، فيمتنع جعله أثرا للقدرة. فيثبت : أنه يمتنع وقوع ذلك العدم [بقدرة (١)] القادر المختار.
والثاني : إن المقتضى لعدم العالم. إما مجرد كونه قادرا ، وإما أمر يصدر عن كونه قادرا. والأول باطل. لأن القادرية كانت حاصلة في الأزل ، فلو كان مجرد القادرية مانعا من وجود [العالم. لكان من الواجب أن لا يوجد (٢)] العالم البتة. وإن كان الموجب لعدم العالم أثرا يصدر عن القدرة ، فحينئذ المؤثر القريب لعدم العالم : هو ذلك الأثر الصادر عن تلك القدرة. فهذا رجوع إلى القسم الثاني ، وهو أن العالم إنما يفنى لحدوث ضد له يوجب عدمه. فإن قالوا : فهذا الكلام بعينه قائم في كيفية تأثير القدرة في الوجود. فنقول : هذا إنما يلزم عن من أثبت القدرة. بمعنى كونها صالحة للطرفين. أما عند من يقول : مجموع القدرة مع الداعي علة موجبة. فهذا غير لازم.
الوجه الثالث : وهو أنه تعالى لو أعدم العالم ، فإما أن يعدمه حال كونه موجودا ، أو في الزمان الثاني من وجوده. والأول يقتضي كونه معدوما حال كونه موجودا. وهو محال. والثاني باطل. لأن إعدام الزمان الثاني ، مشروط بحصول الزمان الثاني ، الذي هو ممتنع الحصول في الزمان الأول ، والموقوف على المحال : محال. فوجب أن يكون كونه [معدوما (٣)] في الحال ، للشيء في الزمان المستقبل : أمرا محالا ممتنعا. وهذا الوجه قد مر ذكره في باب القادر في جانب الإيجاد.
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ط ، ت)
(٣) من (ط)