هذه العدمات حاصل في الأبد ، فإما أن يحصل في الأبد شيء من الموجودات أو لم يحصل. فإن كان الأول لزم أن يحصل السابق والمسبوق معا ، وهو محال. وإن كان الثاني فحينئذ لم يحصل في الأبد شيء من الحوادث ، فوجب أن يحصل للحوادث آخر ونهاية.
فيثبت : أن هذه الدلائل الثلاثة التي ذكرتموها إن أوجبت أن يحصل للحوادث أول ، فكذلك أوجبت أن يحصل للحوادث آخر. ولما بطل ذلك ، علمنا أن هذه الدلائل مغالطات ، نشأت من اعتقاد : أن الأزل وقت معين في الماضي ، وأن الأبد وقت معين في المستقبل. ولما كان ذلك باطلا ، كانت هذه الدلائل التي ذكرتموها فاسدة.
السؤال الرابع : إن دل ما ذكرتم على امتناع حوادث لا أول لها. فههنا ما يدل على وقوعه لا محالة. وهو من وجهين.
الأول : (١)] : إن بديهة العقل حاكمة بأن كل أمر حادث ، فلا بد له من سبب حادث ، أو إن كان ذلك السبب قديما ، إلا أن تأثيره في ذلك الأثر الحادث ، كان موقوفا على شرط حادث. ألا ترى أن القائلين بالحدوث يقولون : العالم إنما حدث في الوقت المعين ، لأن إرادة الله تعالى تعلقت بإحداث العالم في ذلك الوقت المعين. وهذا في الحقيقة اعتراف بأن تأثير قدرة الله في وجود العالم ، كان موقوفا على حدوث ذلك الوقت. فثبت : أن كل حادث ، فإنه لا بد وأن يكون معللا بسبب حادث. وإن كان معللا بسبب قديم ، إلا أن تأثير ذلك السبب [القديم (٢)] في ذلك الحادث ، كان موقوفا على شرط حادث ، وعلى كلا التقديرين ، فهذا يقتضي أن يكون كل حادث ، مسبوقا بحادث [آخر (٣)] لا إلى أول.
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ط)
(٣) من (س)