كُنْ. فَيَكُونُ) (١) ولا شك أن المراد بقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) : التكوين والإيجاد والإحداث. فظاهر الآية يقتضي أنه يخلقه ، ثم بعد الخلق يكونه ، والخلق الذي يتقدم على التكوين ، ليس إلا علمه تعالى ، بأنه يحب تكوينه على الصفة الفلانية ، وعلى الصورة الفلانية ، حتى يكون أقرب إلى الصواب والصلاح. فثبت : أن الخلق عبارة عن التقدير. وإذا ثبت هذا فنقول : إن بتقدير أن تكون الأجزاء موجودة في الأزل ، ثم إنه تعالى ركبها على التأليف الأصوب ، ونظمها على التركيب الأصح ، فحينئذ يكون هذا العالم واقعا بتقديره وتركيبه ، فيكون خالقا لها. فيثبت : أن لفظ الخلق لا يفيد كونه تعالى محدثا لذواتها وموجدا لأعيانها.
واللفظ الثالث : لفظ الفاطر. قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) فالفطر في أصل اللغة : هو الشق ، قال تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ ، هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٣)؟ أي : هل ترى فيه انشقاقا؟ ويقال : فطر ناب البعير ، أي انشق الموضع ، عن ذلك الناب.
إذا عرفت هذا فنقول : بتقدير أن تكون الأجزاء ، كانت أزلية ، وكانت عارية عن الصفات ، كانت لا محالة ظلمانية ، لأنه لا معنى للظلمة إلّا عدم النور ، عما من شأنه أن يقبل الضوء. فإذا خلق الله الضوء ، وأخرج طائفة من تلك الأجزاء ، وركب منها هذا العالم ، كان هذا المعنى في اطلاق لفظ الفاطر [عليه (٤)] قال ابن عباس : «ما كنت أعرف أن الفاطر ، ما هو؟ حتى اختصم أعرابيان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي : أنا أحدثتها».
إذا عرفت هذا فنقول : إنه [إن (٥)] كان فاطرا لتلك البئر ، لا لأجل (٦)
__________________
(١) آل عمران (٥٩)
(٢) أول فاطر
(٣) الملك ٣
(٤) من (ت)
(٥) لأنه (ط)
(٦) لأنه (ط)