وعلى هذا الوجه ، فلم قلتم : إنه تعالى أراد تكوين الذوات ، وتكوين الأجسام؟ وهل النزاع إلا فيه؟
فيثبت بهذه البيانات : أنه ليس في القرآن ما يدل على حدوث الذوات.
وأما التوراة فقال في أوله : «أول ما خلق الله السماء (١) والأرض ، وكانت الأرض خربة خاوية ، وكانت الظلمة على الغمر ، وريح الله تهب وترف على وجه الماء. فقال الله : ليكن نور ، فكان نور (٢)» هذا لفظ التوراة فقوله : «خلق الله السماء والأرض» لا يدل على إيجاد تلك الذوات والأجزاء ، على ما بيناه. وقوله : «وكانت الظلمة على الغمر» [يدل على أنه (٣)] كان في الظلمة ، وهذا عين قول من يقول : إن تلك الأجزاء كانت مظلمة ، لأن الظلمة عدم النور ، عما من شأنه أن يستنير ، فتكون الظلمة سابقة [لا محالة (٤)] على النور ، وقوله : «وريح الله تهب وترف على وجه الماء» عين قول من يقول : إنه تعالى حرك تلك الأجزاء ، بعد أن كانت ساكنة ، وأظهر فيها النور ، بعد أن كانت في الأزل مظلمة.
فيثبت بهذه البيانات : أنه ليس في القرآن ولا في التوراة : لفظ يدل بصريحه على أن هذه الذوات حادثة بعد عدمها ، كائنة بعد أن كانت نفيا محضا ، وسلبا صرفا. ولا شك أن هذين الكتابين أعظم الكتب الإلهية ، فلما [خلا (٥)] هذان الكتابان عن التصريح بهذا المطلوب ، أوهم ذلك أن هذه المسألة بلغت في الصعوبة إلى حيث صارت في محل الصعوبة.
فإن قال قائل : النبوة فرع على الإلهية. فمن قال بقدم العالم ، لزمه القدح في الإلهية ، فكيف يستقيم معه إثبات النبوة؟ فنقول (٦) : لمن قال إن :
__________________
(١) أول سفر التكوين
(٢) زيادة
(٣) من (ت)
(٥) من (ت)
(٤) زيادة
(٦) فنقول : إن لمن قال الذوات قديمة أن نقول إنا لا نستدل ... إلخ [الأصل]