يكون الشيء الواحد قابلا وفاعلا معا. وهو محال. ولأن الهيوليات متساوية ، فلو فرضنا هيولى تكون علة لهذه المعلولات ، لكان كل هيولى كذلك. ومعلوم أنه باطل. ولا جائز أن يكون الصادر الأول : صورة ، وذلك لأنه لو كان [الأمر (١)] كذلك ، لكانت الصورة علة لوجود الهيولى ، فيكون تأثيرها في وجود الهيولى ليس بشركة من الهيولى. وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه ، وهو محال. فعلى هذا الصورة غنية في تأثيرها عن المادة ، وكل ما كان غنيا في تأثيراته عن المادة ، كان غنيا في وجوده عن المادة. فيلزم : أن لا تكون الصورة : صورة. هذا خلف : فيثبت أن الصادر الأول ليس بجسم ولا بجزء من أجزاء (٢) الجسم. فنقول : فيجب أن يكون جوهرا مجردا. ثم نقول : الجوهر المجرد ، إما أن يتوقف صدور الآثار عنه على آلة (٣) جسمانية ، أو لا يتوقف. والأول : هو النفس. والثاني : هو العقل. فنقول لا جائز أن يكون الصادر الأول نفسا. لأن الصادر الأول علة لجميع الأجسام ، وكونه علة لجميع الأجسام ، يمتنع أن يكون موقوفا على حصول آلة جسمانية. وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه ، وهو محال. وإذا بطل هذا ، بطل كون الصادر الأول نفسا. وإذا بطل هذا ، ثبت أن الصادر الأول عقل مجرد. وهو المسمى في لسان الشرع (٤) : بالروح الأعظم. حيث قال سبحانه وتعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) (٥) وحيث قال : عليه الصلاة والسلام : «أول ما خلق الله العقل (٦)».
هذا تلخيص كلام القوم على أحسن الوجوه.
والاعتراض على هذا الكلام من وجوه :
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) من أجزاء قوام الجنس (ط ، س).
(٣) صورة (ط).
(٤) بلسان الشريعة (ت).
(٥) النبأ ٣٨ والتفسير فيه تكلف شديد.
(٦) لا ينبغي الاستدلال بروايات الآحاد على أصول العقائد.