وأما إثبات النفس ففيه مقامان :
الأول : إثبات أن النفس غير البدن ، ودلائل الفلاسفة في إثبات هذه النفس مشهورة.
والمقام الثاني : إثبات أنها قديمة. والدليل (١) على قدمها : أنه لما ثبت [بالدليل (٢)] أن إله العالم فاعل بالاختيار ، لا موجب (٣) بالذات ، امتنع أن يكون فعله أزليا. لأن الفاعل بالاختيار هو الذي يفعل بواسطة القصد [والاختيار (٤)] ومن كان فعله بواسطة القصد ، فإن فعله يكون محدثا مسبوقا بالعدم ، وكل ما كان كذلك ، فإنه لا بد وأن يصير فاعلا ، بعد أن كان غير فاعل من الأزل ، إلى ذلك الوقت. فإنه يستحيل (٥) أن يبتدئ بالفعل في ذلك الوقت ، إلا بعد أن يتقدمه فاعل جاهل ، شرع في الفعل بجهله ، وثبت أن ذلك [الفاعل (٦)] الجاهل هو النفس ، وهذا يقتضي أن النفس يجب أن تكون قديمة. وأما إثبات أن الخلاء والدهر موجودان في الأزل ، فسيأتي دلائل ذلك في كتاب «المكان والزمان».
وعند هذا ، قال «محمد بن زكرياء الرازي» : «فقد ثبت القول بهذه القدماء الخمسة» ثم زعم : أن كل واحد منها واجب الوجود لذاته ، وطعن في دلائل من قال : إن واجب الوجود يمتنع أن يكون أكثر من واحد» وزعم أن شيئا منها لا يبقى على البحث الصحيح.
فهذا هو إحدى المقدمات ، التي لا بد من الوقوف عليها في هذا الباب.
__________________
(١) والذي يدل (ط)
(٢) من (ط)
(٣) لا علة موجبة بالذات (ط).
(٤) من (ت).
(٥) يمتنع (ط).
(٦) من (ت).