إلى ما كان أولا ، من بقاء النفوس في عالمها خالية عن التعلق بالأجساد ، وبقاء الهيولى خالية عن مخالطة النفوس». فهذا جملة الكلام في حكاية حال هذا المذهب.
وزعم (١) «محمد بن زكرياء الرازي» : «أن كل الفلاسفة الإلهيين الذين كانوا قبل «أرسطاطاليس» كانوا على هذا المذهب» وزعم أيضا : «أن أديان جميع الأنبياء عليهمالسلام ، إنما تستقيم على هذا المذهب. والدليل عليه : أن كل الأنبياء والرسل جاءوا بذم الدنيا ، وتقبيح أحوالها ، والتحذير عنها. ولو أن الله [تعالى (٢)] خلقها ابتداء ، وأحدثها فلم يذمها. وإذا خلق الخلق فيها ، وأحوجهم إليها ، ورغبهم فيها ، ووضع الأسباب الموجبة لميلهم إليها ، ولعشقهم عليها ، فكيف يعقل أن ينفرهم ، وأن يأمرهم بالمباعدة عنها؟ أما إذا قدرنا : أن النفس عشقت التعلق بهذه الجسمانيات ، ثم علم الإله الحكيم : أن ذلك التعلق سبب للعناء والبلاء ، فههنا يحسن منه أن يحذرهم عنها ، وأن يأمرهم بالاحتراز عنها. ومثاله : قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) (٣) فقال : بعضهم ذلك المزين هو إبليس. فقيل : فيلزم أن يفتقر إبليس [إلى إبليس آخر (٤)] ولزم التسلسل. وإن كان المزين هو الله ، فكيف يليق بالرحيم [الكريم (٥)] الحكيم أن يسعى في تزيينه ، ثم يأمره بالاحتراز عنه. أما إذا حملناه على أن عشق النفس على الهيولى أمر اتفق له ، وصار لازما له ، فههنا يحسن من الله [تعالى (٦)] أن ينبه الإنسان على الحذر ، والاحتراز».
فهذا تمام الكلام في تقريره هذا القول.
واعلم : أن الفلاسفة الذين يقولون بأن إله العالم موجب بالذات.
__________________
(١) وزعم زكريا الرازي (ت).
(٢) من (ت).
(٣) آل عمران ١٤.
(٤) من (ط).
(٥) من (ت).
(٦) من (ت).