لهم : إن الحيوانات التي تكون في غاية الصغر ، قد تتولد في قعور (١) البحور ودواخل الأرض، بحيث لا يطلع عليها أحد ، فكيف يحصل الاعتبار بإيصال الآلام إليها؟
أجابوا : بأن الملائكة والجن والشياطين يشاهدونها ، فيحصل لهم أنواع من الاعتبارات(٢) في الدين. ثم إن القائلين بهذا القول ، أوجبوا على الله تعالى : حشر جميع البق والبراغيث والقمل والديدان ، وإيصال الأعواض إليها. وزعموا : أنه لو أخل بإعادة شيء منها لصار سفيها ومعزولا عن الإلهية.
واعلم : أن هذا من تفاريع تحسين العقل وتقبيحه. وقد علمت ضعفه وسقوطه. وقال بعض المحققين : إنه إذا وصل الضرر إلى حيوان ، ثم إنه يعاد ذلك الحيوان بعد عشرة آلاف سنة ، وتلك الحالة قد نسيها ذلك الحيوان ، ولم يبق له بها شعور ، كان ذلك الإنعام جاريا مجرى الإنعام المبتدأ ، ويصير منقطع التعلق عما مضى.
ولما طال كلام المعتزلة في تفاصيل هذا الباب طولا مقرونا بالضعف والرخاوة. لا جرم آثرنا الاختصار فيه [والله أعلم (٣)].
__________________
(١) قعر البحر وداخل الأرض (م).
(٢) أنواع من الاعتبار (م).
(٣) من (ط).