وأما الوجه الثالث : فهو بناء على أن الذات الواحدة ، قد يختلف مقدارها بالصغر والكبر ، مع بقاء تلك الذات بعينها. وقد دللنا بالبراهين القاطعة في باب الحركة : على أن ذلك محال. فثبت : بهذه البيانات أن الوجوه التي عولوا عليها في إبطال قول من قال : [الجسم (١)] هو الطويل العريض العميق : أقوال باطلة [والله أعلم (٢)].
ثم احتج القائلون بصحة هذا الحد : فقالوا : إنكم لما حددتم الجسم بأنه الذي لا يصح (٣) فرض هذه الأبعاد الثلاثة فيه. فقد سلمتم : أن هذه الأبعاد الثلاثة قد تحصل فيه عند الفرض. فإذا فرضنا هذه الأبعاد الثلاثة في الجسم ، فهذه الخطوط وهذه الامتدادات التي أشرنا إليها عند الفرض. إما أن يقال : إنها ما كانت موجودة قبل هذا الفرض ، وإنما وجدت حال حصول هذا الفرض ، أو يقال : إنها كانت موجودة قبل هذا الفرض ، وستبقى (٤) موجودة بعد هذا الغرض. أما الأول فهو باطل. ويدل عليه وجوه :
الأول : إن هذا الخط عبارة عن هذا الامتداد المعين ، ولا شك أن هذا الامتداد كان موجودا قبل فرض الفارضين واعتبار المعتبرين ، وإلا لزم أن يقال : إن هذا الامتداد ما كان موجودا البتة ، وإنما حدث الآن. وإذا لم يكن شيء من الامتدادات موجودا قبل هذا الفرض، وجب أن يقال : إن هذا الجسم المشار إليه ما كان موجودا قبل هذا الفرض ، لأنه لا معنى لهذا الجسم إلا هذا الشيء الممتد في الجوانب الثلاثة. ومعلوم : أن القول بأن هذا الجسم إنما حدث عند حدوث هذه الإشارة : قول باطل.
الثاني : وهو إن الإشارة إلى الشيء ، مشروط بحصول المشار إليه أولا. فالإشارة إلى الامتداد المعين في هذه الكرة يوجب أن تكون مشروطة بحصول
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (م).
(٣) يصح (م).
(٤) وجد تبقى (م).