الحجة الثالثة للقوم : أن قالوا : إن المتناهي ، وإن كان في غاية الكبر ، فإنه بالنسبة إلى غير المتناهي ، يكون في غاية القلة والحقارة. فلو كانت الأجسام متناهية ، لكان ملك الله وملكوته في غاية الحقارة. ولأنه يلزم أن يكون امتناع الله من الجود والرحمة ، أكثر من إيجاده ومن وجوده. وهذا هو بعينه الشبهة التي يتمسك بها القائلون بأزلية العالم. فإنهم قالوا : «لو لم يكن الباري تعالى موجدا للعالم ، لزم تعطيل الله تعالى عن الجود ، مدة غير متناهية» فالذي ذكره القدميون في الزمان ذكره هؤلاء في طرف المكان.
واعلم : أن الجواب عن الكلام الأول : إنا لا نسلم أن بديهة العقل جازمة بأنه لا بد وأن يتميز جانب عن جانب في خارج العالم ، بل العقل متوقف فيه.
وعن (١) الكلام الثاني : إنه يقال : لم لا يجوز أن يقال : إن وجود أجسام لا نهاية لها ، ممتنع لذاته. فالجسم الموصوف بهذا القيد ، ممتنع لذاته؟.
وعن الكلام الثالث : إن الجود إنما يمكن فيما يكون ممكنا في ذاته. فإذا بينا : أن وجود أجسام بالصفة المذكورة وهي صفة كونها غير متناهية ممتنع لذاته. لم يكن ترك إيجاده ترك للجود.
فهذا تمام الكلام في هذا الباب. والله أعلم.
__________________
(١) مكررة في (ط).