الواحد لا يمكن أن يكون مؤثرا في الفعل ولا في القوة معا. بناء على أن البسيط لا يصدر عنه أثران ، فوجب كونه مركبا من جزءين. أحدهما : عنه له القوة. والثاني : عنه له الفعل. والذي عنه له القوة هو الهيولى. والذي عنه له الفعل هو الصورة ، فوجب كون الجسم مركبا من الهيولى والصورة» وهاتان الحجتان هما اللتان ذكرهما الشيخ «أبو علي» وعوّل عليهما في إثبات الهيولى. وأنا كنت تكلفت لهم وجوها أخرى. أذكرها هاهنا :
الحجة الثالثة : إن العقلاء ذكروا في حد الجسم كلامين : أحدهما : قول من يقول : إنه الطويل العريض العميق. والثاني : إنه الجوهر الذي يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه ـ أعني: الطول والعرض والعمق ـ وكلا هذين التعريفين لا يصح إلا مع القول بالهيولى.
أما التعريف الأول : فهو أن الطويل العريض العميق : عبارة عن الموصوف بالطول والعرض والعمق. والموصوف غير الصفة ، لا محالة. فالموصوف بالطول والعرض والعمق ، لا بد وأن يكون مغايرا لهذه الأشياء. والمغاير لهذه الأشياء : جوهر مجرد في ذاته عن الحصول في الحيز والمكان والجهة. لأن كل ما كان حاصلا في المكان والحيز ، فلا بد وأن يكون له ذهاب في الجهات ، وامتداد في الأحياز. فلما كان الموصوف بهذه [الأوصاف (١)] والامتدادات ، خاليا عنها. امتنع كونها حاصلا في الأحياز والجهات. وثبت : أن الطول والعرض والعمق : أمور حالة في ذلك المحل. وأنه متى حلت تلك الصفات في ذلك المحل ، فقد حصل الجسم ، فوجب كون الجسم مركبا من الهيولى والصورة.
وأما قول من يقول : الجسم هو الجوهر الذي يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه. فهذا أيضا تصريح بأن الأبعاد الثلاثة موجودة في جوهر ، وحاصلة فيه. فالأبعاد الثلاثة هي الصورة ، وذلك الجوهر هو الهيولى. فقد ثبت : أن الناس
__________________
(١) زيادة.