خلق ما لا نهاية له ، وخروج المراتب التي لا نهاية لها من الأعداد إلى الوجود. فهذا عند الفلاسفة في الجملة غير ممتنع ، لأجل أن النفوس الناطقة الباقية ، في هذا الوقت أعداد لا نهاية لها. فثبت : أن هذا غير ممتنع في الجملة.
وأما مذهب «ديمقراطيس» فباطل أيضا. لأنا سنقيم الدلالة على أن كل ما كان قابلا للقسمة الوهمية ، وجب أن يكون قابلا للقسمة الانفكاكية. وحينئذ يسقط هذا السؤال.
الحجة الثانية في إثبات هذا المطلوب : أن نقول : الماء الواحد في الحس ، لو كان في نفسه واحدا وحدة حقيقية. فإذا أوردنا التفريق عليه ، حتى صار ماءين. فإما أن يقال : إن كل واحد من هذين الماءين ، كان حاصلا قبل ذلك التفريق ، أو ما كان حاصلا. فإن كان الأول ، فهذان الماءان ، كانا موجودين قبل هذا التفريق. فذلك الماء كان قبل ذلك التفريق مؤلفا من هذين الجزءين ، فكان التقسيم عبارة عن تفريق المتجاورين ، لا عن إحداث الاثنينية. وهو المطلوب. وإن كان الثاني. وهو [أن (١)] هذين الماءين الحاصلين بعد هذا التفريق ، ما كانا حاصلين قبل هذا التفريق. فنقول : فعلى هذا القول ، وجب القطع بأنه حدث هذان الماءان بعد هذا التقسيم. وبطل ذلك الماء ، الذي كان واحدا قبل هذا التقسيم. وعلى هذا القول ، فيكون التفريق إعداما للجسم الأول ، وإحداثا للجسمين ، اللذين حصلا بعد [هذا (٢)] التقسيم. فعلى هذا القول. إذا طارت البعوضة على البحر المحيط ، وشقت برأس إبرتها جزءا من ماء البحر ، لزم أن يقال : إنها أعدمت البجر الأول ، وأوجدت بحر آخر. لأنه متى تفرق الاتصال في ذلك الموضع ، فقد فني أيضا ما كان متصلا به ، بسبب الافتراق. وهلم جرا إلى آخر البحر.
لا يقال : إن تلك الجسمية وإن عدمت إلا أن الهيولى باقية. لأنا نجيب عنه بوجهين:
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (م).