فلو حصل في الجسم أبعاض غير متناهية ، لزم أن لا يصل السريع إلى البطيء البتة. ولما كان هذا التالي كاذبا ، كان المقدم أيضا باطلا.
الحجة السادسة : إن الجسم المتناهي في الحجم والمقدار ، قد حصل له طرفان ، وأحاط به جانبان. فلو حصل فيما بين هذين الطرفين والجانبين أجزاء غير متناهية ، لصار غير المتناهي محصورا بين حاصرين. وذلك محال بالبديهة.
فهذه جملة الدلائل المذكورة في بيان : أنه يمتنع كون الجسم مؤلفا من أجزاء لا نهاية لها بالفعل.
واعلم : أن المتكلمين كانوا يقولون : لما بطل هذا المذهب ، فقد ثبت القول بالجوهر الفرد.
وأما الفلاسفة : فقد استبعدوا هذا الكلام ، وحكموا على صاحبه بالجهل ، وقلة الفهم. وقالوا : إنه لا يلزم من إبطال تركب الجسم من أجزاء لا نهاية لها ، كونه مركبا من أجزاء متناهية. بل الحق : أن الجسم في نفسه شيء واحد ، ليس مركبا البتة من الأجزاء (١) وحينئذ لا يبقى في ذكر هذه الدلائل منفعة في إبطال قولنا ومذهبنا.
واعلم : أنا بينا بالوجوه القاطعة اليقينية : أن الجسم لو كان قابلا لانقسامات لا نهاية لها ، لوجب كونه مركبا من أجزاء لا نهاية لها. فإذا ذكرنا هذه الدلائل في بيان أنه يمتنع كون الجسم مؤلفا من أجزاء لا نهاية لها بالفعل. فحينئذ يلزم فساد المقدم ، وهو كونه قابلا لانقسامات لا نهاية لها. وعلى هذا الطريق فإن هذه الدلائل ينتفع بها في إبطال قول الفلاسفة. والله أعلم.
__________________
(١) أجزاء (م).