الجوهرين : واقع. وإذا كان كذلك ، فحينئذ يزول هذا الإشكال.
الحجة الثالثة للفلاسفة من الوجوه المبنية على المماسة والملاقاة : أن نقول : إذا ركبا خطا من أربعة أجزاء ، ووضعنا فوق طرفه الأيمن جزءا ، ووضعنا فوق طرفه الأيمن جزءا ، ووضعنا فوق طرفه الأيسر جزءا آخر. ثم فرضنا : أنه ابتدءا هذان الجزءان بالحركة ، وانتهيا إلى آخر الخط دفعة. فهنا قد مر كل واحد من هذين الجزءين بصاحبه. ويمتنع أن يمر كل واحد منهما بصاحبه ، إلا إذا حصل التحاذي والتقابل بينهما. ومن المحال أن يحصل التحاذي والتقابل ، إلا على متصل الثاني والثالث. ومتى حصلت هذه [الحالة (١)] لزم القطع بوقوع القسمة والتجزئة في تلك الأجزاء. وبهذا الطريق ، ظهر أن وقوع الجوهر على متصل الجوهرين أمر ممكن.
واعلم : أني رأيت جماعة من مثبتي الجوهر الفرد ، التزموا وقوع الطفرة هاهنا. وزعموا : أن التحاذي بينهما ، إنما يجب لو تحرك كل واحد منهما ، على جميع تلك المسافة. أما إذا قلنا بالطفرة ، لم يلزم ذلك. وتقريره : أنه إذا كان لا بد في نفي الجوهر [الفرد (٢)] من التزام الطفرة. قلنا أيضا : أن نلتزمها حتى يندفع عنا هذا السؤال. وأما المنكرون للطفرة ، فقالوا : ثبت بهذا البرهان أنه يمكن وقوع الجوهر على متصل الجوهرين ، وبه يصح البرهان الثاني. كما تقدم. والله أعلم.
الحجة الرابعة : قالوا : إنا إذا فرضنا صفحة مركبة من الأجزاء التي لا تتجزأ ، ثم أشرقت الشمس عليها. فحينئذ يحصل الضوء في الوجه المقابل للشمس من ذلك السطح ، وبقي الوجه الآخر منه غير مشرق. ومعلوم : أن الوجه المشرق المضيء ، مغاير لما هو غير مشرق ولا مضيء ، وذلك يوجب الانقسام. ويمكن ذكر هذه الحجة بطريق آخر : فيقال : إن على القول بكون الجسم مركبا من الأجزاء التي لا تتجزأ ، يكون الجسم مؤلفا من سطوح
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) من (ط ، س).