ثم نقول : كذب النتيجة يدل على اشتمال القياس على مقدمة كاذبة. فليطلب أن المقدمة الكاذبة ما هي؟ فنقول : فيه احتمالان :
الأول : أن يقال : هذه الحجة مبنية على أن تلك الأجزاء متلاقية متماسة ، وذلك باطل عندنا. فإن الحق عندنا : أن كل جوهر فهو مختص بحيز نفسه ، ولا تعلق له البتة بالجوهر الآخر لا بالمماسة ، ولا بالملاقاة. بل الحق : أن الجوهرين إذا وقعا بحيث لا يمكن أن يتخللهما ثالث ، سميناهما بالمتلاقيين وبالمتماسين وبالمتجاورين وبالمتصلين. وإن وقعا بحيث يمكن أن يتخللهما ثالث ، سميناهما بالمتباعدين وبالمفترقين وبالمتباينين. فأما أن يحصل للملاقاة وللمماسة : مفهوم آخر سوى ما ذكرناه ، فهذا ممنوع ولا يقال : إن صريح العقل يحكم بأن الجوهرين إذا وجدا ، بحيث لا يمكن أن يتخللهما ثالث ، فإنه يكون أحدهما ملاقيا للآخر ، ومماسا له. لأنا نقول : إن عنيتم بالملاقاة والمماسة ، نفس كونهما واقعين ، بحيث لا يبقى بينهما فرجة ، ولا شيء مغاير. فهذا معقول. إلا أن على هذا التقدير لا يبقى لقولكم : إنه يماس بأحد وجهيه ما على يمينه ، وبالوجه الثاني ما على يساره : مفهوم زائد. وإن عنيتم به أمرا آخر وراء ذلك ، فهو ممنوع. ولا ينكر أن الوهم والخيال ، يحكم فيه بحصول أمر زائد. إلا أن مذهبكم : أن حكم الوهم والخيال غير مقبول. ألا ترى أن صريح العقل يحكم بأن الواقف على طرف العالم ، لا بد وأن يميز الجانب الذي يحاذي وجهه من الجانب الذي يحاذي قفاه. ثم إنكم ذكرتم أن ذلك من عمل الوهم والخيال ، وأنه لا عبرة به البتة. فلم لا يجوز أن يكون الأمر هاهنا أيضا كذلك؟.
وأيضا : فأنتم لما زعمتم : أنه لا بد وأن يحصل بين صعود الحجر بالقسر ، ونزوله بالطبع : سكون. فإذا قبل لكم : لو قدرنا أن جبلا عظيما ، كان ينزل من السماء إلى الأرض في تلك اللحظة. فلو كان ذلك السكون واجبا ، لزم أن يكون سكونه موجبا لسكون ذلك الجبل النازل. ثم إنكم التزمتم ذلك ، وقلتم هذا ، وإن كان الوهم لا يقبله ، والخيال لا يساعد عليه ، إلا أن البرهان اليقيني لما ساقنا إليه ، وجب التزامه. فكذا هاهنا :