حركت المرأة لم يحلّ لها أن تظهر إلّا وجهها وإلّا ما دون هذا وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى». وروى حديثا آخر جاء فيه : «إن النبي صلىاللهعليهوسلم أباح للمرأة أن تبدي من ذراعها إلى قدر النصف». والحديثان لم يردا في كتب الأحاديث الخمسة ولكنهما متسقان مع ما ورد فيها ومع ما ذكره المؤولون في تأويل جملة آية سورة النور. وسنزيد هذا الأمر بخاصة شرحا في سياق تفسير هذه الآية.
وهكذا تكون الآيات الثلاث بإيجابها الاحتشام بين يديّ الله وإباحتها التجمّل والزينة وطيبات الرزق وتحريمها ما هو جماع كل شرّ في الدين والدنيا من أقوى الآيات المحكمة وأروعها التي تظلّ محتفظة بروعتها وقوتها ونفوذها وفعاليتها في كل ظرف ومكان مهما طرأ على البشرية من تطور لاتساقها التام المستمر مع المنطق والعقل والمصلحة الإنسانية. وفي هذا من الإعجاز القرآني ما فيه.
هذا ، وفي الآية [٣٢] التفات لطيف نحو المسلمين بخاصة بسبيل تطمينهم وحثّهم على الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا وطيبات رزقها. فلهم أن يستمتعوا بذلك مع غيرهم في الدنيا دون أن ينقص هذا من نصيبهم من مثله في الآخرة الذي يكون لهم فيها خالصا. وفي هذا ما فيه من التلقين الجليل لا سيما إذا لوحظ أن الاستمتاع بزينة الحياة وطيبات الرزق يستلزم أن يسعى المسلمون في مناكب الأرض كما أمرهم الله في آية سورة الملك هذه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)) وأن يستعدوا بكل وسائل العلم والفن والعمل للنجاح في سعيهم.
وننبه أولا : إلى قيد (الطَّيِّباتِ) حيث ينطوي في هذا منع تناول شيء من مأكل ومشرب وملبس لا يتّصف بصفة الطيب الحلال أو يكون فيه شائبة من شوائب الخبث والحرام.
ولقد ورد في القرآن آيات عديدة أخرى فيها توضيح أو توكيد لذلك أو نهي عن تحريم الطيبات كما ترى في الآيات التالية :