أورداه الحديث النبوي المشهور : «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجسانه» (١). كتدعيم لهذا التأويل وقالا إن الله تعالى في كلمته هذه أراد أن ينبّه السامعين إلى أنه خلقهم على فطرة التوحيد فلا يقبل اعتذار أحد عن الانحراف عنه بأي عذر وحجة. وقد تكون طريقة السلف التي أخذ بها الطبري في الأسلوب الذي أخذ الله به العهد من بني آدم أسلم. ففي القرآن عبارات كثيرة مثل هذه لا يمكن معرفة مراد الله تعالى بها معرفة ذاتية مثل الاستواء على العرش ولا يكون هناك حديث نبوي ثابت في تفسيرها. ففي مثل هذه الحالة تكون تلك الطريقة أسلم ويكتفى بشرح مدلول الآيات التي فيها العبارة شرحا عاما كما فعلنا في صدد العبارة والآيات التي وردت معها. على أن هذا لا يمنعنا من القول إننا نرى وجاهة وسدادا في الأقوال والتأويلات الأخرى. وبخاصة في القول إن الله أراد أن ينبّه السامعين إلى أنه خلقهم على فطرة التوحيد فلا يقبل اعتذارهم بشرك آبائهم من قبلهم أو بأية حجة أخرى. والله تعالى أعلم.
والآيات فيما احتوته من تحذير عن السير على ما سار عليه الآباء بقطع النظر عن ضلالهم وسخفهم والاحتجاج بذلك والغفلة عما يقوم على صوابه وفضله البرهان وتعطيل العقل من التدبّر والاختيار قوية العظة وبليغة التلقين المستمر كما هو المتبادر. وقد تكرر هذا التلقين في مناسبات عديدة مرت أمثلة منها ، مما يصح أن يكون طابعا عظيم الخطورة للدعوة الإسلامية القرآنية التي تندّد باتباع التقاليد القديمة لقدمها وتعطيل العقل إزاءها ، والتي تحثّ على الأخذ بما هو الأفضل والأصوب والأصحّ والأصلح بقطع النظر عن القدم والجدة.
هذا ، وما جاء في بعض الأحاديث عن تقدير أعمال الناس وأرزاقهم وآجالهم وتخصيص فريق منهم للجنة وآخر للنار من الأزل هو متصل بموضوع القدر الذي شرحناه في سياق سورة القمر فنكتفي بهذه الإشارة.
__________________
(١) هذا الحديث رواه الأربعة انظر التاج ج ٥ ص ١٧٦.