وقد تشدد الاسلام في مسألة الوفاء بالعهود. فلم يتسامح فيها ابدا. لانها قاعدة الثقة التي ينفرط بدونها عقد النظام الاجتماعي.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها ..) فمثل من ينقض العهد مثل امرأة حمقاء ضعيفة الفهم. تبرم غزها ثم تنقضه. وكان بعضهم يبرر لنفسه نقض عهده مع الرسول ص وآله ـ بان محمدا ومن معه قلة ضعيفة بينما قريش كثرة قوية. فنبههم الله الى ان هذا ليس مبررا لأن يتخذوا الخدع وسيلة لنقض عهدهم (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) فالاسلام لا يقر مثل هذا المبرر. ويجزم بالوفاء.
(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠))
البيان : ان الجنسين : الذكر والانثى متساويان في قاعدة العمل والجزاء وفي صلتهما بالله. وفي جزائهما عند الله. وان العمل الصالح لا بد له من القاعدة الاصيلة ترتكز عليها. قاعدة الايمان بالله (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فبغير هذه القاعدة لا يقوم بناء. وبغير هذه الرابطة لا يتجمع شتاته. انما هو هباء منثور. كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف. فالعقيدة هي التي تجعل العمل الصالح باعثا وغاية.
وان العمل الصالح مع الايمان جزاؤه حياة طيبة في الدنيا والآخرة وفي الصحة والأمن والبركة. وان الحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الاجر الحسن في الآخرة. ويتضمن هذا تجاوز الله عن السيئات. (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) فالذين يتوجهون الى الله وحده ويخلصون قلوبهم لله لا يمكن للشيطان ان يغريهم ويخرجهم