كل شيء. ورضي بعذاب الدنيا مهما عان على العود الى الكفر والضلال والنص هنا يغلظ جريمة من كفر بالله من بعد ايمانه. لانه عرف الايمان وذاقه. ثم ارتد عنه ايثارا للحياة الدنيا على دينه. فرماهم بغضب من الله. وبالعذاب العظيم. والحرمان من الهداية.
روى ان المشركين اخذوا عمار بن ياسر فعذبوه حتى اعطاهم ما ارادوا. فلما تركوه ذهب الى النبي ص وآله وشكى له حاله وكيف فعلوا به حتى اعطاهم من القول ما ارادوا فتركوه. فقال ص وآله له : (كيف تجد قلبك) قال : مطمئنا بالايمان. فقال ص وآله له (ان عادوا فعد) فكانت رخصة لدفع الهلاك عن النفس. فنزل قوله (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
وقد كانوا من ضعاف العرب الذين فتنوا عن دينهم بالعذاب الشديد. ولكنهم هاجروا بعد ذلك عند ما امكنهم ذلك. وحسنوا اسلامهم فعفا الله عنهم (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فالله يبشرهم بانه سيغفر لهم ويرحمهم. ذلك يوم تشغل كل نفس بأمرها. لا تتلفت الى سواها (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) وهو تعبير يلقي الهول في قلوب المؤمنين. والذي يشغل كل عاقل متيقن بصحة هذا القول (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١))
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥))