وأما موسى (ع) فهو قوي بالحق الذي أرسل به والذي أرسله بشيرا ونذيرا ، فهو مطمئن الى نظرة الله له (فقال : (... وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) هالكا مدمرا. جزاء تكذيبك بآيات الله. وانت تعلم ان لا احد يملك غير الله هذه الخوارق ، وقد جحدت الحق بعد معرفتك له.
(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (١١١))
البيان : لقد جاء هذا القرآن ليربّي أمة. ويقيم لها نظاما عالميا فتحمله هذه الامة الى مشارق الارض ومغاربها. وتعلم به البشرية أجمع أن هذا النظام دون سواه. وفق طبائعها الفطرية.
ومن ثم فقد جاء القرآن مفرقا بين الحق والباطل ، والصلاح والفساد. والعدل والجور. جاء وفق الحاجات الواقعية لتلك الامة. ووفق الملابسات التي صاحبت فطرته الاولى. جاء ليكون عمليا يتحقق جزءا لا يتجزأ. كاملا بدون نقصان. ثابتا لا يقبل التغيير ولا التبديل ولقد تلاه الجيل الاول من المسلمين على هذا المعنى ، تلقوه توجيها يطبق في واقع الحياة. ولقد أنزل الله تعالى هذا القرآن المجيد قائما بالحق وعلى الحق (بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ). فالحق مادته والحق غايته. ومن الحق قوامه. وبالحق اهتمامه. وهو الحق الثابت. والقرآن مرتبط بناموس الوجود كله. اليه يشير وعليه يدل. والحق سنداه ولحمته. (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) وهو مشهد موح يلمس الوجدان. مشهد الذين أوتوا العلم من قبله وهم يسمعون القرآن