والمتقين. (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً. وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) : ان جرس الالفاظ وايقاع العبارات ليشارك ظلال المشهد في رسم الجو : جو الغضب والانتفاض. وان ضمير الكون وجوارحه لتنتفض وترتعش وترجف من سماع تلك القولة النكراء. والمساس بقداسة الذات العلية. كما ينتفض كل عضو وكل جارحة عند ما يغضب الانسان. للمساس بكرامته او كرامة من يحب ويحترم. هذه الانتفاضة الكونية للكلمة النكراء. تشترك فيها السموات والارض والجبال بالزلزال (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) وان الكيان البشري ليرتجف وهو يتصور مدلول هذا البيان (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) فلا مجال لهرب او اختفاء وهو وحيد فلا مجير (ان الذين آمنوا. (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) وللتعبير بالودّ في هذا الجو نداوة رخية تمسّ القلوب وتنعش الارواح. وبعد فان هذه البشرى للمؤمنين المتقين. وذلك انذار للمجرمين (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) وتختم السورة بمشهد يتأمله القلب طويلا. ويرتعش له الوجدان (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) وهو مشهد يبدؤك بالرجة المدمرة. ثم يغمرك بالصمت العميق. وكأنما يأخذ بك الى وادي الردى. ويقفك على مصارع القرون. وفي ذلك الوادي الذي لا يكاد يحدّه البصر. ثم ان الصمت يخيم والموت يجثم. واذا الجثث والاشلاء والبلى والدمار لا يوصف (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) انظر وتلفت (هل تسمع لهم ركزا تسمع وأنصت. ألا انه السكون العميق والصمت الرهيب. وما من احد الا الواحد القهار والعزيز الجبار الحي الذي لا يموت.