منذ أبيهم ابراهيم (ع) أفمن آمنهم وهم عصاة له يدعهم اذا أطاعوه. وآمنوا برسوله واتبعوا ما أنزله عليه من نور يهديهم في الظلمات والفلوات. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لا يعلمون أين يكون الامن. واين يكون الخوف. ولا يعلمون أن مرد الامر كله الى الله عزوجل. فاما اذا أرادوا ان يتقوا المهالك والمخاوف حقا. وان يأمنوا التخطف حقا. فها هي ذي عند الخالق العظيم والقويّ القدير الذي اذا قال للشيء كن فيكون. (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها. فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ ...) ان بطر النعمة وعدم الشكر عليها هو سبب هلاك القرى. وقد أوتوا من نعمة الله ذلك الحرم الامن. فليحذروا اذن ان يبطروا وألا يشكروا. فيحل بهم الهلاك والدمار. كما حل بمن تقدمهم الذين يرون مساكنهم خاوية خالية. (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ).
على أن الله عزوجل لم يهلك تلك القرى التي بطرت معيشتها. الا بعد أعذار وانذار وارسال رسل اليهم. لاتمام الحجة عليهم (ولئلا يقولوا (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً ...) (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ) (فِي أُمِّها رَسُولاً) وحكمة ارسال الرسول في أم القرى ـ أي كبراها أو عاصمتها ـ ان تكون مركزا تبلغ منه الرسالة الى الاطراف. فلا تبقى حجة ولا عذر فيها لأحد.
وقد أرسل النبي ص وآله في مكة أم القرى العربية. فهو ينذرهم عاقبة المكذبين قبلهم بعد ما جاءهم النذير. (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) وهذه هي رأفة الخالق العظيم بخلقه.
(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها. وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ).
وها هو التقويم الاخير لا ما يخشون فواته من متاع الحياة الدنيا. والا ما يتفاخر به الجاهلون.