(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وهم ينفقون بعض ما رزقناهم ، فهم يخلقوا هذا المال وانما هو مما رزقهم الله ـ من بين ما رزقهم وهو كثير لا يحصى ـ فاذا أنفقوا فانما ينفقون بعضه ويحتفظون منه ببقية والاصل هو رزق الله وحده عزوجل الرزاق الجواد.
تلك هي الصفات التي حدد الله بها ـ في هذا المقام ـ الايمان ، وهي تشمل الاعتقاد في وحدانية الله عزوجل والاستجابة الوجدانية لذكره ، والتأثر القلبي بآياته ، والتوكل عليه وحده وعلى نفس هذه القاعدة يجيء التعقيب الاخير : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ)
روي عن الحارث بن مالك الانصاري انه مر برسول الله ص وآله ، فقال له : كيف أصبحت يا حارث قال : أصبحت مؤمنا حقا. قال : (انظر ما تقول .. فان لكل شيء حقيقة ، فما حقيقة ايمانك) فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي وأطمأت نهاري ، وكأني انظر الى الجنة واهلها كيف يتزاورون فيها ، وكأني انظر الى اهل النار كيف يتضاعفون فيها. فقال ص وآله : يا حارث عرفت فالزم).
ان حقيقة الايمان يجب أن ينظر اليها بالجد الواجب ، فلا تتميع حتى تصبح كلمة يقولها لسان ومن ورائها واقع يشهد ظاهره بعكس ما يقوله اللسان ، كلا ليس ذلك بايمان صحيح.
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً