الكونية التي يدبر الله بها هذا الكون وما حواه ، بقدره النافذ الطليق. ومتى تخلص القلب من ضغط الاسباب الظاهرة ، لم يعد هناك محل فيه للتوكل على غير الله ابتداء. وقدر الله هو الذي يحدث كل ما يحدث. وهو وحده الحقيقة المستيقنة ، والاسباب الظاهرة لا تنشىء الا احتمالات ظنية ، وهذه هي النقلة الضخمة. التي ينقلها الاعتقاد الاسلامي ، للقلب البشري ـ للعقل البشري ايضا ـ النقلة التي تخبطت الجاهلية الحديثة ثلاثة قرون لتصل الى اولى مراحلها من الناحية العقلية ، ولم تصل الى شيء منها في الناحية الشعورية وما يترتب عليها من نتائج عملية خطيرة في التعامل مع قدر الله عزوجل. انها نقلة التحرر العقلي ، والتحرر الشعوري ، والتحرر السياسي ، والتحرر الاجتماعي وما يمكن ان يتحرر (الانسان) أصلا اذا بقي عبدا للاسباب (الحتمية) وما وراءها من عبودية لارادة الناس ، أو عبوديته لارادة (الطبيعة) ، فكل حتمية غير ارادة الله وقدره هي قاعدة لعبودية لغير الله وقدره. ومن ثم فان هذا التوكيد على التوكل على الله وحده. واعتباره شرطا لوجود الايمان أو عدمه ، والتصور الاعتقادي في الاسلام (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ).
وهنا نرى للايمان صورة وحركة ظاهرة ـ بعد ما رأيناه في الصفات السابقة مشاعر قلبية. وهذا معنى (ان الايمان هو ما وقر في القلب ، وصدقه العمل) فالعمل هو الدلالة الظاهرة للايمان. التي لا بد من ظهورها للعيان ، لتشهد بالوجود الفعلي لحقيقة هذا الايمان.
وأقامت الصلاة ليست هي مجرد أدائها ، انما هي الاداء الذي يحقق حقيقتها ، الاداء الكامل اللائق بوقفة العابد في حضرة المعبود سبحانه ، لا مجرد القراءة والقيام والسجود وما ينفع ذلك اذا كان القلب غافلا عن مراقبة المعبود والخشوع بين يديه.