ان التعبير القرآني دقيق في بنائه اللفظي ليدل دلالة دقيقة على مدلوله المعنوي ، وفي العبارة هنا قصر بلفظ (انما) وليس هناك مبرر لتأويله ـ وفيه هذا الجزم الدقيق ـ ليقال أن المقصود هو (الايمان الكامل) فلو شاء الله سبحانه ان يقول هذا لقاله.
انما هو تعبير محدد دقيق الدلالة ، ان هؤلاء الذين هذه صفاتهم وأعمالهم ومشاعرهم هم المؤمنون ، فغيرهم ممن ليس له هذه الصفات بجملتها ليسوا بالمؤمنين ، والتوكيد شاهد (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) يقرر هذه الحقيقة ، فاما هكذا ايمان واما فلا ايمان أصلا. (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (أي لا يرجون سواه ولا يقصدون الا اياه ولا يلوذون الا به) (ولا يطلبون الحوائج الا منه. ولا رادته واختياره هم مستسلمون).
(والتوكل على الله والاستسلام الى ارادته هو جماع الايمان الصحيح ، والمعرفة الحقة).
وهذا هو اخلاص الاعتقاد بوحدانية الله ، واخلاص العبادة له دون سواه ، فما يمكن ان يجتمع في قلب واحد : توحيد الله ، والتوكل على سواه. لانه اليه يرجع الامر كله.
ولقد ظلت الجاهلية (العلمية) الحديثة تلج فيما تسميه (حتمية القوانين الطبيعية) ذلك لتنفي (قدر الله) وتنفي (غيب الله) حتى وقفت في النهاية عن طريق وسائلها وتجاربها ذاتها ، امام غيب الله وقدر الله. وقفة العاجز عن التنبؤ الحتمي وبقي (الغيب) سرا مختوما وبقي قدر الله هو الحقيقة الوحيدة المستيقنة. ولجأت الى نظرية (الاحتمالات) في عالم المادة فكل ما كان لديها حتميا صار احتماليا ، وبقي قول الله عزوجل (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) وهو القانون الحتمي الوحيد الذي يتحدث بصدق عن طلاقة المشيئة الالهية ، من وراء القوانين