القلب البشري عن الشعور بأعراض الحياة الدنيا ، والنزاع عليها ـ وان كان هذا النزاع متلبسا هنا بمعنى الشهادة بحسن البلاء ـ الا استجاشة الشعور بتقوى الله وخوفه وتلمس رضاه في الدنيا والآخرة.
ان قلبا لا يتعلق بالله يخشى غضبه ويتلمس رضاه ، لا يملك أن يتخلص من ثقلة الاعراض ولا يملك أن يرف شاعرا بالانطلاق ، ان التقوى زمام هذه القلوب التي يمكن أن تقاد منه طائعة ذلولة ، في يسر وفي هوادة ، وبهذا الزمام يقود القرآن المجيد هذه القلوب الى صلاح ذات بينها (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ). وبهذا الزمام يقودها الى طاعة الله ورسوله.
وأول الطاعة هنا طاعته في حكمه الذي قضاه في الانفال. فقد خرجت من أن تكون لأحد من المسلمين كافة ، وانحصرت ملكيتها ابتداء لله ولرسوله .. فانتهى حق التصرف فيها الى الله ورسوله ص وآله ، فما على الذين آمنوا الا أن يستسلموا فيها لحكم الله وقسم رسول الله طيبة قلوبهم راضية نفوسهم والا أن يصلحوا علائقهم ومشاعرهم ويصفو قلوب بعضهم لبعض (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، فلا بد للايمان من صورة عملية واقعية. يتجلى فيها ، ليثبت وجوده ويترجم عن حقيقته ، كما قال رسول الله ص وآله : (ليس الايمان بالتمني ، ولا بالتحلي ، ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل).
ومن ثم يرد مثل هذا التعقيب كثيرا في القرآن لتقرير هذا المعنى الذي يقرره قوله ص وآله ولتعريف الايمان وتحديده واخراجه من أن بكون كلمة تقال باللسان وتمنيا لا واقعية له في عالم لعمل والتطبيق ، فقد حدده رب العالمين (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ...)