(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) فما النطفة التي لا يشك الانسان في انها أصله القريب. انها نقطة من ماء مهين. لا قوام ولا قيمة لها. نقطة من ماء تحوي ألوف الخلايا. خلية واحدة من هذه الالوف هي التي تصير جنينا. ثم تصير هذا الانسان الذي يجادل ربه ويخاصمه ويطلب منه البرهان والدليل على وجوده وهو الذي أوجده من العدم.
والقدرة الخالقة هي التي تجعل من هذه النطفة ذلك الخصيم المبين. وما أبعد النقلة بين المنشأ والمصير. أفهذه القدرة يستعظم الانسان عليها ان تعيده وتنشره بعد خرابه. وقد بناه وأوجد مواد بنائه من العدم. أفالاعادة بعد التهديم أصعب من الايجاد من العدم (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) فياللبساطة. ويا للمنطق السليم والفطرة الصافية. أو ليس من تلك النطفة كان الانسان. أو ليست هذه هي النشأة الاولى أو ليس الذي حول تلك النطفة انسانا وجعله خصيما بقادر على أن يعيده مخلوقا جديدا فيا لها من غفلة. أو ياله من عناد وانحراف. وانكار لأظهر البديهيات المحسوسة.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) والمشاهدة الاولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة. العجيبة التي يمرون عليها غافلين. عجيبة ان هذا الشجر الاخضر الريان بالماء. يحتك بعضه ببعض فيولد نارا. ثم يصير هو وقود النار. بعد اللدونة والاخضرار. والمعرفة العلمية العميقة لطبيعة الحرارة التي يختزنها الشجر الاخضر من الطاقة الشمسية التي يمتصها. ويحتفظها. وهو ريان بالماء. والتي تولد النار عند الاحتكاك. كما تولد النار عند الاحتراق.
والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).