يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠) وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥))
البيان : (أصبر) انها الاشارة الى الطريق في حياة الرسل (ع) الذي يضمهم اجمعين. فكلهم سار في هذا الطريق وعانى الابتلاء. وقد قالوا (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) وقالوا ... (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ). يذكر داود هنا بأنه ذو القوة. وبأنه أواب. وقد ذكر ذلك بعد ان ذكر الطغاة من الامم السالفة. (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ ..) ولقد يقف الناس مدهوشين امام هذا النبأ ـ الجبال الجامدة تسبح مع داود (ع). ولكن حين تصل صلة الانسان بربه العظيم الى درجة الخلوص والاشراق والصفاء. فان تلك الحواجز تنزاح وتظهر الحقيقة المجردة لمن نال هذه المرتبة من الفضيلة والكمال الانساني والتجرد عن شوائب الطبيعة. وارتفع عن مستوى الحيوانات وعرج في مراتب الكمال يظهر له ذلك السر العميق الذي يدهش من لم يزل يعيش بشهواته وحيوانيته لا غير.
وقد وهب الله تعالى عبده داود هذه الخاصية. وكانت هبة فوق الملك والسلطان .. (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) فكان ملكه قويا عزيزا. وكان يسوسه بالحكمة والعدالة. وفصل الخطاب قطعه بالجزم فيه برأي لا تردد فيه. وذلك مع الحكمة ومع غاية الكمال في الحكم. ومع هذا كله فقد تعرض داود (ع) للفتنة والابتلاء. وكانت