فاذا الانسان يعيش ويتحرك وينام ويستيقظ بين ملكين موكلين به. عن اليمين وعن الشمال. يتلقيان كل ما يصدر منه حتى أنفاسه وما يكنه في صدره وضميره.
وقد كان فيما سبق قد يستعظم الانسان هذه الرقابة وهذه المحاسبة ولكن اليوم أصبح المخلوق يمكنه بواسطة المسجلة والتلفزيون ان يحصي ويأخذ صورة الانسان في جميع ما يفعل حتى انفاسه التي يتنفسها تلتقطها بدون تفريط.
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) الموت أشد ما يحاول المخلوق البشري ان يتفلت منه ويهرب من اسبابه. ولكن حينما يأتي أمر الله تعالى بموته فلا دافع ولا مانع يمنع عنه. والموت طالب يستحيل الانسان ان يتهرب منه فقد يهرب عن اشياء يحتمل فيها الموت واذا الجهة التي هرب اليها وجعلها مكنه الحصين هي السبب في موته وخطف روحه الخبيثة. لانه يتهرب من الموت ولا يخاف ما بعد الموت ولا يكره الموت الا اهل الجرائم والفساد في الارض ..
ويلفت النظر في التعبير ذكر كلمة الحق (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) وهي توحي بان النفس ترى الحق كاملا عند سكرات الموت. تراه بلا حجاب وتدرك منه ما كانت تجهل او تنكر وتكذب. وتتفلت من التوبة أو تهزأ ممن يدعها اليها. ولكنها تدرك جميع ذلك بعد فوات الاوان وحيث لا تنفع حسرة ولا زفرة ولا ندامة. وذلك الحق المريج حيث لا يجدي شيء ولا يفيد.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) انه مشهد يكفي استحضاره في النفس لتقضي رحلتها على هذه الارض في قلق ورعب. كما هي نفوس اهل الجرائم والطغيان في كل مكان وزمان.