في أمر هذا الخلق لا يزيد على أن يودع الرجل ما يمني في رحم المرأة. ثم ينقطع عمله وعملها. ويرجع الامر كله الى الخلاق الحكيم. فان أراد انماء هذه الغرسة أخذ بتعهدها وتنقلها وتبدلها. من نطفة الى علقة الى مضغة الى عظام الى كسوى العظام لحما والتخطيط الكامل.
(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ونفخ فيه من روحه. تلك النفخة أو النفحة. ومنذ اللحظة الاولى. وفي كل لحظة تالية تتم معجزة. وتقع خارقة على هذا المخلوق وهو داخل ظلمات ثلاث ـ ظلمة البطن. وظلمة الرحم. وظلمة المشيمة. ذلك كله صنع الله العظيم الخبير. ولم يزل البشر بأجمعه عاجزا عن معرفة كنه هذا المخلوق.
(نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ. وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) هذا الموت الذي ينتهي اليه كل حي.
ليس هو اقل اعجازا وتعقيدا من سر الحياة. واخراجها من العدم الى الوجود. صنع الخالق القهار (كما تنامون تموتون. وكما تنتبهون تحييون بعد هذا الموت السريع) واكثر الناس عن هذا غافلون. وعن الاعتبار به معرضون. فيا لها من غفلة يعقبها حسرة. (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) هذا الزرع الذي ينبت بين ايديهم. وقوام حياتهم عليه ـ من حبوب وثمار ـ وهل يفكرون كيف يحيا وكيف ينمو وكيف يكبر. وكيف يثمر. وكيف يحلو. وكيف يتنوع صنوانا وغير صنوان ويسقى بماء واحد ويغرس في ارض واحدة جنبا لجنب. ونفضل بعضه على بعض في الأكل ان في ذلك لعبرة لقوم يعقلون. من الذي احياه ومن الذي انماه. ومن أثمره ومن حلاه. ونوعه وشكله وصنفه. ومن الذي ركبه (مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) بدون تفريط انها يد القدرة القاهرة. انها حكمة العناية الحكيمة. انها نعمة الله الوافرة