المدينة والبادية كانوا يقفون نتيجة لذلك مواقف سلبية من دعوة النبي إلى الجهاد ويتثاقلون ويترددون فكان ذلك مما يؤلم النبي ويحزنه ويثيره وقد نزل في ذلك آيات قوية منددة منذرة ، ومن أقوى ما نزل في هذا الباب آيات التوبة هذه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)) وآيات سورة الصف هذه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤)).
وفي الآية معنى قوي حيث تأمر النبي بقتال من يجب قتاله في سبيل الله ولو كان وحده. لأن عليه أن يقوم بهذا الواجب على كل حال. والفرق بين هذه الآية والآية [٧٤] هو أن الآية [٧٤] هتفت بكل من يشري الحياة الدنيا بالآخرة أن يقاتل ويدخل في الهتاف النبي صلىاللهعليهوسلم وغيره وجماعات المسلمين وأفرادهم بعده في حين أن هذه الآية توجب ذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم شخصيا ولو كان لوحده ولقد قال بعضهم (١) إن الله لم يأمره بذلك إلّا لما عرف من شجاعته وقدرته على مواجهة أعدائه مهما كثروا. ويتبادر لنا أن ما ذكرناه هو الأكثر وجاهة وورودا. وفي الآية [٧٤] دعم لذلك حيث تأمر كل مسلم ولو كان فردا بالقيام بهذا الواجب.
ولقد أورد ابن كثير (٢) حديثا رواه ابن أبي حاتم عن أبي إسحاق قال «سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة من العدو فيقاتل فيكون ممن قال الله (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). قال لا. لقد قال الله تعالى لنبيه (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ)». والحديث ليس من الصحاح ، ولكن صحته محتملة. وهو تفسير لأحد كبار أصحاب رسول الله للآية متطابق مع مداها نصا
__________________
(١) انظر تفسير الآية في كتب تفسير الخازن ورشيد رضا.
(٢) أورد ابن كثير صيغة أخرى مقاربة برواية للإمام أحمد أيضا.