وروحا وفي النطاق الذي تبادر لنا أنه الأوجه والله تعالى أعلم.
ونستطرد إلى القول إنه ليس في هذا ـ فيما نعتقد ـ ما يمنع السلطان في الإسلام على إجبار القادرين من المسلمين على التجنيد والقتال ضدّ البغي والعدوان إذا قدر على ذلك. فالجهاد فرض من فروض الإسلام كالزكاة. وكونه فرض كفاية لا يضعف من فرضيته. ولقد ظلت أساليب الدعوة إلى أداء الزكاة هي الأخرى في نطاق الترغيب والترهيب والتشويق في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم حيث كان هذا هو المتسق مع الحياة الاجتماعية والمعاشية القائمة ، ثم صار السلطان الإسلامي آمرا مجبرا عليها وصار هذا الإجبار نظاما محكما من أنظمة الدولة في عهد أبي بكر ومن بعده حتى إن أبا بكر قاتل الممتنعين عن أداء الزكاة واعتبرهم مرتدين عن الإسلام. فليس ما يمنع أن يقاس الجهاد على الزكاة وأن يكون للسلطان الإسلامي حق إجبار القادرين عليه في نطاق ما تتطلبه المصلحة من ضمان سلامة المسلمين وكيانهم وحريتهم ودفع الأذى والبغي عنهم. وفي سورة التوبة آية تأمر بالمناوبة في النفرة إلى الجهاد وتجعل ذلك كفرض على مختلف فئات المسلمين وهي هذه (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)) والله سبحانه وتعالى أعلم.
هذا ، ومع خصوصية الآية الزمنية من حيث صلتها بالسيرة النبوية وبشخص النبي الكريم فإنّ فيها تلقينا جليلا شاملا وهو أن على كل مسلم أن يعتبر نفسه مخاطبا بالآية لأن له الأسوة الحسنة برسول الله. وأن على كل مسلم حينما يدعو داعي القتال في سبيل الله والقيام بواجب من الواجبات التي تتصل بمصلحة المسلمين العامة وأمنهم وسلامتهم أن يسارع إلى ذلك ويقدم عليه دون أن يعتذر بغيره أو يبالي بكثرة عدوه وصعوبة العمل المدعو إليه. وأن هذا مما يجب كذلك ومن باب أولى على أولي الأمر وأصحاب الشأن في المسلمين مع واجب آخر هو أن يكونوا في الطليعة في الإقدام على القيام بذلك الواجب ليكونوا الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة لغيرهم.