ورابعا : إن المصدر الذي يصح أن يستند إليه في صفة وكيفية كلام الله بعد القرآن الذي لا يوجد فيه بيان لذلك هو النبي صلىاللهعليهوسلم وليس هناك حديث نبوي صحيح فيما اطلعنا عليه في ذلك.
وخامسا : إن الواجب ملاحظة كون هذا الأمر متصلا بسرّ الله تعالى وصفاته التي لا تدركها عقولنا وملاحظة الضابط القرآني المنطوي في آية الشورى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [١١] وآية الأنعام (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [١٠٣] ثم الإيمان بما ورد في القرآن والوقوف عنده. وعدم الخوض في الماهيات والكيفيات المتصلة بسرّ واجب الوجود على ما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩)) [١٦٧ ـ ١٦٩].
عبارة الآيات واضحة. ولم نطلع على رواية خاصة بنزولها. والمتبادر أنها متصلة بالآيات السابقة اتصال تعقيب وإنذار وأنها بناء على ذلك في صدد اليهود. وتدل على ما كان لمواقفهم ودسائسهم وتشكيكاتهم من أثر في عرقلة الدعوة الإسلامية.
وتعبير (كَفَرُوا وَظَلَمُوا) مع سبق تعبير (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يدل على أن اليهود لم يكتفوا بالكفر برسالة النبي ومنع الناس عنها منعا هادئا بل تجاوزوا ذلك إلى البغي والعدوان أيضا. وفي هذا قرينة على ما قلنا من أن الفصل نزل في وقت كان اليهود فيه على شيء من القوة.
وأسلوب الآيات المطلق يجعل فيها إنذارا وتعنيفا عاما مستمرا لكل من يقف نفس المواقف بطبيعة الحال. وهذا مما جرى عليه النظم القرآني.