ومع ما يبدو في الآية من صراحة بتحريم نكاح الزانية وإنكاح الزاني على المؤمنين فقد تعددت أقوال المفسرين ورواياتهم في مدى حكمها (١). فمن ذلك أن التحريم منصبّ على الزنا من قبيل تشنيعه ومن باب (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) [النور : ٢٦]. وبسبيل تقرير كون الزنا لا يمكن أن يقع إلّا بين زان وزانية إن كانا مسلمين أو بين زانية ومشرك أو زان ومشركة. ومنها قول معزو إلى عائشة وهو أن الرجل إذا زنى بامرأة ليس له أن يتزوجها لهذه الآية. ومنها قول لابن مسعود أنه كان يحرم نكاح الزانية ويقول إذا نكح الزاني الزانية أي تزوجها فهما زانيان أبدا. ومنها قول معزو إلى ابن عباس أنه كان يجيز التزوج بالزانية وتزويج الزاني. وقد أورد الزمخشري حديثا نبويا مؤيدا لهذا القول لم يرد في كتب الصحاح جاء فيه «أن النبيّ سئل عن ذلك فقال أوّله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال» ومنها قول معزو إلى سعيد بن المسيب مفاده أن الآية منسوخة بآية أخرى في سورة النور وهي (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [٣٢] والبغايا من أيامى المسلمين. والنفس تطمئن بالقول الأول في صدد تأويل الآية ومفهومها العام. ووجاهة القول المعزو إلى ابن عباس ظاهرة ولا سيما إذا صحّ الحديث الذي يورده الزمخشري والذي لا يتناقض مع التقريرات القرآنية العامة. فقد يتوب الزاني والزانية المسلمان ويصلحان. فلا يصحّ أن يحول ما حدث منهما قبل التوبة دون زواجهما زواجا شرعيا كما هو المتبادر. والتوبة الصادقة التي تفتح باب عفو الله ورحمته للكافر والمنافق والمحارب لله ورسوله والمفسد في الأرض والقاتل العمد على ما شرحناه في تعليقنا على موضوع التوبة في سورة البروج ونبهنا عليه في المناسبات العديدة السابقة تفتح بدون ريب هذا الباب أمام الزاني والزانية بدورهما. وهناك أحداث وأحاديث مؤيدة لذلك. فقد روى الطبري عن الحسن «أن عمر بن الخطاب قال لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة فقال له أبي بن كعب يا أمير المؤمنين الشرك أعظم من ذلك وقد
__________________
(١) انظر تفسير الطبري والزمخشري والبغوي والخازن وابن كثير.