والمرأة أو ظروفهما في ذلك الوقت من حيث إن الرجل مضطر إلى السعي والارتزاق فاكتفي في عقوبته بالضرب والتعزير ولم تكن المرأة في مثل هذا الاضطرار فعوقبت بالحبس حتى الموت أو يجعل الله لها سبيلا. ولقد روى المفسرون في سياق الآية حديثا عن عبادة بن الصامت قال «كان رسول الله إذا نزل عليه الوحي أثر عليه وكرب وتغير لذلك وجهه. فأنزل الله عزوجل عليه ذات يوم فلما سرى عنه قال خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : الثيب بالثيب والبكر بالبكر ، الثيب جلد مائة. ورجم بالحجارة والبكر جلد ثم نفي سنة» (١) ومن المحتمل أن يكون الحديث النبوي صدر على أثر نزول آيات سورة النور التي فيها تشريع جلد مائة للزاني والزانية.
وجمهور المفسرين والعلماء (٢) على أن الخطوة الثانية في سورة النور والأحاديث النبوية نسخت الآيات التي نحن في صددها. ويلحظ أولا أن في الخطوة الثانية تحديدا وتشديدا للعقوبة وهذا أحرى أن يسمى تعديلا لا نسخا. ويلحظ ثانيا أن استشهاد أربعة شهود ظل محكما في الخطوة الثانية. ولقد استند بعضهم إلى الآية الثانية فقال إن مرتكب الفاحشة إذا تاب تسقط عنه العقوبة. والعقوبة المعينة في الآية هي كما قلنا الخطوة الأولى ثم جاءت آيات سورة النور والأحاديث فنسختها وصارت هذه المحكمة لأنها تنصّ على وجوب اتباع الحدّ على الزاني والزانية بدون رأفة وبدون استدراك بحيث يكون ذلك القول غير سليم. وعدم سلامة القول يلمح أيضا من نصّ الآية الثانية حتى بقطع النظر عن أمر نسخها بآيات النور. فهي تأمر بأذية مرتكبي الفاحشة ثم الإعراض عنهما إذا تابا وأصلحا وهذا من نوع توبة من يرمي المحصنات ولم يأت بأربعة شهداء التي ذكرت في آيات سورة النور [٤ و ٥] (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ
__________________
(١) ابن كثير وقال المفسر قال الترمذي حديث حسن صحيح. وقد روي هذا الحديث بطرق عديدة وبشيء يسير من الخلاف على ما جاء في تفسير ابن كثير ... انظر أيضا تفسير الطبري والخازن والبغوي والطبرسي.
(٢) انظر الكتاب المذكورة أيضا.