تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه» (١).
وهناك حديثان نبويان فيهما صورة لأخلاق رسول الله متصلة بالموضوع الذي نحن فيه رواهما أبو داود والترمذي أحدهما عن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «لا يبلّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» (٢) وثانيهما عن عائشة قالت «حكيت للنبي إنسانا فقال ما أحبّ أني حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا» (٣) حيث ينطوي فيهما تأديب نبوي للمسلمين أيضا الذين أمروا بأن يكون لهم رسول الله الأسوة الحسنة.
ولقد شرحنا كلمة (وَلا تَجَسَّسُوا) بما شرحناه لأن هذا هو ما يلهمه مقامها والأحاديث التي أوردناها في صددها. ومن المعلوم أن هناك عملا آخر من أعمال التجسس وهو التجسس على الأعداء والتجسس لهم. والأول مبرّر. وهناك حديث رواه أبو داود عن أنس في هذا جاء فيه «بعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان» (٤) وحديث آخر رواه الشيخان والترمذي عن جابر قال «قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا. قالها ثلاثا ويجيبه الزبير. فقال النبيّ لكلّ نبيّ حواريّ وحواريّي الزبير» (٥). والثاني جريمة قد تكون ارتدادا لأن فيها توليا ونصرة للأعداء ومتولي الأعداء وناصرهم على المسلمين منهم وليس من الله في شيء كما جاء في آية سورة آل عمران هذه (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) [٢٨] وآية سورة المائدة هذه (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٦).
__________________
(١) التاج ج ٥ ص ٢٤.
(٢) التاج ج ٥ ص ٢٤.
(٣) المصدر السابق نفسه. والمتبادر أن كلمة (حكيت) بمعنى قلدت ذلك الإنسان في عمله أو قوله ويكون ذلك القول أو العمل غير مستحب أو مثيرا للسخرية. وهذا من مألوفات ما يفعله الناس.
(٤) التاج ج ٤ ص ٣٦١.
(٥) المصدر نفسه.
(٦) هذه الآية في سلسلة فيها نهي عن اتخاذ الذين يتخذون دين المسلمين هزوا من أهل الكتاب