يرويه ابن عباس والذي أشرنا إليه آنفا عن هذه الشهادة بجملة «إذا قامت البينة». وهذا لا يفيد صراحة بأنها بينة عيانية. وقد يقال إن من الممكن أن يكون المقصود أنه حينما يعزى إلى امرأة عمل الفاحشة يطلب من المسلمين رصدها فإذا رآها أربعة منهم ترتكب الفاحشة عيانا شهدوا وإذا صحّ هذا الفرض برغم ما يبدو عليه من تكلف فإثبات الزنا يزداد صعوبة ويكون ذلك من حكمة إناطته بشهادة عيانية من أربعة من المسلمين حتى لا تهتك أعراض النساء بشهادات علمية وخبرية وقليلة والله تعالى أعلم. ولقد أورد المفسر القاسمي في سياق تفسير الآيات الأولى من سورة النور حديثا عزاه إلى البخاري جاء فيه «إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف المغيرة والي الكوفة بالزنا لما شهدوا بأنهم رأوه مستبطنا المرأة لأن الشاهد الرابع وهو زياد لم يشهد بشهادتهم» ويتبادر لنا أن الذين جعلوا الشهادة التي يثبت بها الزنا عيانية قد استندوا إلى هذا الحديث. والذي يتبادر لنا أن هذا الحديث إذا صح هو في صدد حادثة معينة وليس في صدد مبدأ تحديد كيفية الشهادة بإثبات الزنا. هذا مع قولنا إن من المستبعد أن يكون الشهود الأربعة المذكورون في الحديث قد رأوا العملية صدفة وأنهم لا بدّ من أن يكونوا قد علموا بها مسبقا فترصدوها حتى شاهدوها.
وننبه على أن جلد عمر للثلاثة المروي في الحديث مستند إلى آية في سورة النور وهي (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ...) [٤] وسنزيد الآية شرحا في مناسبتها.
ومهما يكن من أمر هذه النقطة فإن الحكمة في جعل عدد الشهود لإثبات جريمة الزنا بالشهادة أربعة ظاهرة بليغة. وبخاصة على ضوء ما يذهب إليه الجمهور من أنها يجب أن تكون عيانية. فهذه الجريمة من شأنها دائما أن تهزّ كيان الأسر وتثير الارتباك والهياج في المجتمع وتؤدي إلى عواقب وخيمة في ظروف كثيرة. والتشدد في إثبات وقوعها يحول دون كل ذلك. أما إذا شهد أربعة شهود عيان فمعنى ذلك أن المجرمين استهتروا استهتارا بشعا بمصلحة المجتمع وسلامة الأعراض بجريمتهم ويصبح إعلان الجريمة والتنكيل بمرتكبيها من مصلحة الجمهور.