أقول : قوله في الحديث : «هي الكلمات التي تلقّاها آدم ...» إلى آخره ، قد مرّ من البيان في قوله سبحانه : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ...) ، (١) ما يتّضح به هذا الكلام ، فالكلمات التي ابتلي بها إبراهيم ـ عليهالسلام ـ إن كانت صفات طاهرة وأخلاقا فاضلة ، فإنّما وجود هذه الكلمات من كلمات تامّة اخرى في خزائن الغيب عند الله هي المبتلى بها حقيقة ، وإن كانت نفس تلك الكلمات فهي ذلك أيضا.
غير أنّ التقدير الأوّل أوفق برواية العيّاشي ، فيعود المعنى إلى أنّه عليهالسلام ابتلي بصفات فاضلة إلهيّة ، فأتمّهنّ بمفاتيح تلك الصفات من الغيب.
والتقدير الثاني أوفق برواية الصدوق ، فيعود المعنى إلى أنّه عليهالسلام ابتلى ببعض مفاتيح الغيب فأتمّه ببعض آخر ، والوجهان ـ مع ذلك ـ مآلهما واحد ، على ما يعطيه التأمّل التامّ.
وقوله : «قلت : فأخبرني عن قول الله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (٢)» الآية في حقّ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، وما قبلها : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ* وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٣) الآيات ؛ والضمير في قوله : (وَجَعَلَها) راجع إلى الهداية التي يتضمنها قوله : (سَيَهْدِينِ) دون البراءة التي يتضمّنها قوله : (إِنَّنِي بَراءٌ) ويشهد به قوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) على ما سيأتي من البيان ، وقوله : (سَيَهْدِينِ) سياقه مشعر بأنّ هذه الهداية غير ما يشتمل عليه قوله : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا
__________________
(١). البقرة (٢) : ٣١.
(٢). الزخرف (٤٣) : ٢٨.
(٣). الزخرف (٤٣) : ٢٦ ـ ٢٨.