الَّذِي فَطَرَنِي) وهذا اهتداء ذاتيّ غير متعلّق بهاد غير الله سبحانه.
وقد عرفت سابقا من قوله : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) ، (١) أنّ المقابلة فيها تعطي : أنّ غير الهادي إلى الحقّ غير مهتد بنفسه ، بل مهديّ بغيره ، فمن لم يكن مهديّا بالغير ـ بل مهتديا بالذات ـ فهو هاد إلى الحقّ ، فهذه الهداية هي التي نسمّيها بالإمامة ، وهي الهداية بأمر الله ، وهي التي يشرّف بها عدّة من أنبيائه ، إذ يقول سبحانه وتعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ* وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ* أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٢) الآيات ، فسياقها ـ كما ترى ـ يعطي أنّ هذه الهداية معنى ليس من شأنه أن يتغيّر ويتخلّف ، وأنّ هذه الهداية بعد رسول الله لن ترتفع عن أمّته ، بل عن ذرّيّة إبراهيم منهم خاصّة ، كما قال : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ). (٣)
فإن قلت : قد ذكر سبحانه فيهم موسى وهارون ، وهما أهل عصر واحد ، ولا معنى لإمامين مقتديين في عصر واحد ، وكذلك زكريّا ويحيى وعيسى ، وكذلك
__________________
(١). يونس (١٠) : ٣٥.
(٢). الأنعام (٦) : ٨٤ ـ ٩٠.
(٣). الزخرف (٤٣) : ٢٨.