داود وسليمان ، وقد مرّ أنّ العصر الواحد لا يكون فيه إلّا إمام واحد.
قلت : إنّما يلغو ذلك إذا كانت الجهة واحدة ، وأمّا مع اختلافها ـ كأن يكون كلّ من الإمامين إماما لامّة على حدة ، أو يكون هنالك جهتان يسوق كلّ منهما إلى جهة خاصّة ـ فلا محذور ، كما يستفاد من دعاء موسى ، على ما يحكيه تعالى إذ يقول : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (١) ويقول : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ* وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) (٢) والكلام في غيرهما قريب ممّا فيهما.
فإن قلت : لو كان كما ذكرت كان رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مقتديا بمن سبقه من الأئمّة ، وهم أئمّته ؛ إذ يقول تعالى : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). (٣)
قلت : إنّه تعالى لم يقل : فبهم اقتده ، وإنّما قال : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وقد قال قبله : (ذلِكَ هُدَى اللهِ). (٤)
فإن قلت : هب ، أنّ الهداية الذاتيّة ثبتت بهذه الآيات ، لكنّ الإمامة ـ على ما مرّت ـ هي حقيقة الهداية ، وسوق الناس بحسب الحقيقة إلى الله سبحانه ، دون الهداية الظاهريّة فقط ، فكيف يمكن إثباتها؟
قلت : الاهتداء الذاتي الظاهري لو تمّ بغير الحقيقة ـ بالمعنى الذي عرفت ـ كان المتّصف به مسوقا بسوق غيره ، فكان مقتديا بحسب الحقيقة ، فلا ينفعه اهتداؤه الذاتي ، فهو خلف ، وقد مرّ ما ينفع في هذا المقام في قوله : (اهْدِنَا
__________________
(١). طه (٢٠) : ٢٩ ـ ٣٢.
(٢). الشعراء (٢٦) : ١٢ ـ ١٣.
(٣). الأنعام (٦) : ٩٠.
(٤). الأنعام (٦) : ٩٠.