طه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا* إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (١) وهو أوّل أمر إبراهيم لموضع قوله : (إِذْ قالَ).
وقوله ـ عليهالسلام ـ : «اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا» ، يستفاد ذلك من آيات كثيرة ، غير أن الرسالة لمّا كانت أخصّ من النبوّة ـ على ما سيجيء ـ كان إثبات نبوّته فقط ـ كما في الآيات السابقة ـ هو المحتاج إليه بعد ظهور رسالته في كثير من موارد الآيات ، كما لا يخفى.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : «اتّخذه خليلا قبل أن يتّخذه إماما» ، يستفاد ذلك من قوله سبحانه : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) ، (٢) حيث إنّ الظاهر أنّ اتّخاذه ايّاه خليلا بعد ما صار ذا ملّة حنيفيّة وبسببها ، وإنّما صار كذلك بعد ما كان رسولا إذ المقام مقام بيان شرف هذه الملّة الحنيفيّة التي تشرّف بسببها إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بالخلّة.
وقد وصف هذه الملّة بالحنف ، وهو ميل في القدم ، لميلها عن الشرك إلى التوحيد على ما يعطيه قصص إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى.
والخليل من الخلّة ؛ وهو : الفقر والحاجة ، وبه سمّي الخليل ـ وهو الصديق ـ خليلا ، وأحد المتحابّين يسمّى صديقا إذا صدق في معاشرته ومؤانسته ، ثمّ يصير خليلا لقصره حوائجه على صديقه وبالعكس ، فهما خليلان.
ولإبراهيم ـ عليهالسلام ـ منصب آخر بيّنه بقوله سبحانه : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي
__________________
(١). مريم (١٩) : ٤١ ـ ٤٢.
(٢). النساء (٤) : ١٢٥.