الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١) وقال تعالى فيه وفي إسحاق ويعقوب : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٢) فهو مصطفى بإسلامه ، ويشعر به أيضا قوله : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٣) فالمصطفى هو الدين ، وإبراهيم ـ عليهالسلام ـ صار مصطفى بتحقّقه التامّ بالدين ، فمقام الاصطفاء هو مقام التحقّق التامّ بالدين ، وإنّ الدين عند الله الإسلام.
وإذا عرفت هذا علمت أنّ مدلول قوله : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (٤) أنّ الخلّة مقام متأخّر عن مقام الاصطفاء ، حيث جعله وصفا له متفرّعا على الملّة والحنف جميعا ، فافهم ذلك.
فمقام الخلّة متأخّر عن الدين والاصطفاء ، المتفرعين على النبوّة والرسالة جميعا ، وقد عرفت أنّ الإمامة ـ وهي الاهتداء بالله ، والهداية بأمر الله ـ أمر وراء هذه الامور جميعا ، ومحتدها ومنشأها غير ما لتلك ، وقد قال سبحانه : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) وهو وحي.
وأيضا معظم الابتلاءات التي وقعت له ـ عليهالسلام ـ كانت في زمان نبوّته ورسالته على ما يحكيه سبحانه في كلامه ، فالإمامة آخر هذه المقامات المعدودة ؛ أعني العبوديّة والنبوّة والرسالة والخلّة ثمّ الإمامة.
__________________
(١). البقره (٢) : ١٣٠.
(٢). ص (٣٨) : ٤٧.
(٣). البقرة (٢) : ١٣٢.
(٤). النساء (٤) : ١٢٥.