إلى آخره ؛ أي لا يتّبع الناس غير إبراهيم وذرّيّته ويكونوا أئمّة للناس ، وهذه العصمة هي التي أشار إليها سبحانه بقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (١) وسيجيء أنّ الأجتباء هي العصمة ، كما يشهد به إردافه بقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). (٢)
فإن قلت : لو كان المراد بالامّة في هذه الآيات وأمثالها عدّة قليلة من الامّة دون الباقين ، كان لازم ذلك التعمية في الكلام ، ولا يليق ذلك به سبحانه ، على أنّ من المعلوم أنّ توجيه خطاباته تعالى إلى عموم الناس.
قلت : نفس هذه الخطابات تستدعي أن يكون المقصود منها الموجّه إليه بالحقيقة بعض الناس دون الجميع ، بمثل ما مرّ من البيان ، ووزانها وزان قوله تعالى في بني إسرائيل : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣) وقوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٤) وفيهم مثل قارون ومن هوّد اليهود ونصّر النصارى ، بل هذه أحكام جارية على المجموع لاشتماله على بعض الأفراد القائم بها المتلبّس بحقيقتها ، وهو شائع في الكلام.
قوله سبحانه : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ...)
قد عرفت أنّه رسول الله محمّد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ولم يعهد من ذرّيّة
__________________
(١). الحج (٢٢) : ٧٨.
(٢). الحج (٢٢) : ٧٨.
(٣). الدخان (٤٤) : ٣٢.
(٤). الجاثية (٤٥) : ١٦.