فلمّا أجاب الله إبراهيم وإسماعيل ، وجعل من ذرّيّتهما امّة مسلمة ، وبعث فيها رسولا منهم (١) يعني من تلك الامّة ـ يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ، وردف دعوته الاولى بدعوته الاخرى ، فسأل لهم تطهيرا من الشرك ومن عبادة الأصنام ، ليصحّ أمره فيهم ولا يتّبعوا غيرهم ، فقال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (٢)
فهذه دلالة على أنّه لا يكون الأئمّة والامّة المسلمة التي بعث فيها محمدا ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إلّا من ذرّيّة إبراهيم ؛ لقوله : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ). (٣)
أقول : استدلاله ـ عليهالسلام ـ في غاية الظهور ، وقوله ـ عليهالسلام ـ : «إنّ الأئمّة أيضا كالامّة المسلمة لا تكون إلّا من ذريّة إبراهيم» ، إنّما استفاده من التعليل في دعوة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ) فعلّل سؤاله عصمة أبنائه من عبادة الأصنام بعموم الضلال في عبادتها ، فهو المحذور ، وقد مرّ في سورة الفاتحة أنّ كلّ ضلال شرك ، كما ذكره أيضا في أثناء كلامه ـ عليهالسلام ـ أنّه سأل لهم تطهيرا من الشرك ومن عبادة الأصنام ، فخصّ الشرك بالذكر قبال عبادة الأصنام ، وهذه هي العصمة إذا كان من الله سبحانه كما سأله.
ثمّ قوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) كلام متفرّع على سؤال العصمة من الشرك والضلال ، وهذه هي الإمامة ، وهو قوله : «ليصحّ أمره فيهم ولا يتّبعوا غيرهم ...»
__________________
(١). في المصدر : «منهما»
(٢). إبراهيم (١٤) : ٣٥ ـ ٣٦.
(٣). تفسير العيّاشي ١ : ٦ ، الحديث : ١٠١ ؛ بحار الأنوار ٢٤ : ١٥٤ ، الحديث : ٧ ، الباب : ٤٦.