أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)، فالظرف متعلّق بقوله : (اصْطَفَيْناهُ) وإذا ضمّ إليه قوله في الآية التالية : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) أفاد أنّ المصطفى هو الدين ، واصطفاء الإنسان بإسلامه ودينه ، فالمصطفى هو المتحقّق بالدين.
والإصطفاء هو الاجتباء ، وإنّما الفرق بينهما معنى : أنّ الاجتباء يقتضي حركة وطلبا من المجتبي بصيغة الفاعل بخلاف الإصطفاء ؛ إذ الاجتباء من قولنا : جبى الخراج جباية : إذا جمعها ، فيحتاج إلى حركة وطلب ، والاصطفاء من الصفاء بمعنى الخلوص ، فلا يحتاج إلى طلب وحركة.
وبهذه النسبة فالاصطفاء بمعنى خلوص الإنسان للدين وهو مقام ، والاجتباء بمعنى تخصيص الله ـ سبحانه ـ عبدا من بين العباد بنفسه بالعصمة كما عرفت ، قال الله تعالى : (هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) وقال : (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ) (٢) وقال : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٣) وقال : (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا) (٤) إلى غير ذلك من الآيات.
وأمّا الإسلام فهو والتسليم والاستسلام بمعنى : من السلم ، والشيء إذا كان بالنسبة إلى آخر بحال لا يعصيه ولا يدفعه فقد أسلم وسلّم واستسلم له : قال سبحانه : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) (٥) وقال : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) (٦) ووجه الشيء : ما يواجهك به ، وهو بالنسبة إليه تعالى تمام وجود
__________________
(١). الحج (٢٢) : ٧٨.
(٢). الأنعام (٦) : ٨٧.
(٣). طه (٢٠) : ١٢٢.
(٤). مريم (١٩) : ٥٨.
(٥). البقرة (٢) : ١١٢.
(٦). الأنعام (٦) : ٧٩.