التكوين ، نظير قوله : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ). (١)
ولحن الآية في سياقها أنسب مع الأخير سيّما قوله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) من غير أن يبدّل بمثل قوله تعالى : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) (٢) فيؤول المعنى إلى : أنّا جعلنا لكلّ إنسان غاية وقبلة ، هو متوجّه إليها سائر نحوها قاصد إيّاها ، وأينما تكونوا وتنتهوا في سيركم فالله يجمعكم ويأت بكم جميعا لا تفوتون عنه ، فاستبقوا الخيرات حتّى يتعيّن غايتكم بالخير ، هذا.
فإن قلت : فيكون صدر الآية قاضيا بأنّ سعادة الإنسان وشقاوته ذاتيّة مثبتة ، فغايته ـ خيرا أو شرّا ـ متعيّنة ثابتة لا يتخلف ولا يتخلّف مقتضاها حتما مقضيّا ، فلا يلائمه حينئذ قوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) إذ هو تكليف عامّ للسعيد والشقيّ ؛ إذّ هو بالنسبة إلى السعيد طلب الموجود الحاصل ، وهو محال ، وبالنسبة إلى الشقيّ طلب المحال.
قلت : هذا هو الذي أوجب إنكار القدر على ما ذهب إليه جمع ، أو إثباته وتأويل آيات القضاء والقدر بالعلم من غير تأثير ، أو تخصيص ذلك بما دون أفعال الإنسان من الامور التكوينيّة ، والأمر على خلاف ذلك كلّه.
والذي يتحصّل من كلامه سبحانه : أنّ لهذه الموجودات الماديّة التي في هذه النشأة الطبيعيّة ـ مع كون نسبة كلّ موضوع إلى أحكامها وآثارها وعدمها متساوية بإمكان الوقوع واللاوقوع وقبول الطرفين ـ أعمّ من الأفعال الاختياريّة وعدمها ، مرتبة اخرى من الوجود ، هي بحسبها متعيّنة ثابتة ، لا تختلف ولا تتخلّف ، وهي مرتبة قبل هذه المرتبة الماديّة قبليّة غير زمانيّة ،
__________________
(١). الإسراء (١٧) : ٨٤.
(٢). المائدة (٥) : ٤٨.