أحدهما : تهذيبها بالغايات الصالحة الدنيويّة والعلوم والآراء المحمودة ، كما يقال : إنّ العفّة وقناعة الإنسان بما عنده توجب العزّة والعظمة في أعين الناس والجاه عند العامّة ، وإنّ الشره يوجب الخصاصة والفقر ، وإنّ الطمع يوجب ذلّة النفس المنيعة ، وإنّ العلم يوجب إقبال العامّة والعزّة والانس عند الخاصّة ، والعلم بصر يتّقي به الإنسان كلّ مكروه ويدرك كلّ محبوب ، وإنّ الجهل عمى ، وإنّ الشجاعة ثبات يمنع النفس عن التلوّن والحمد من الناس على أيّ تقدير ، بخلاف الجبن والتهوّر ، وإنّ العدالة توجب راحة النفس عن الهمم المؤذية ؛ وهي الحياة بعد الموت ببقاء الاسم ونموّ الذكر والمحبّة في القلوب.
وهذا هو المسلك المعهود من الحكمة والفلسفة ، وربّما استعمل هذا المسلك في كلامه سبحانه ، كقوله : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) (١) وقوله : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) (٢) وقوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). (٣)
وثانيهما : الغايات الاخرويّة ، وقد كثر إعمالها في كلامه سبحانه ، كقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (٤) وقوله : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٥) وقوله : (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦) وقوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ
__________________
(١). البقرة (٢) : ١٥٠.
(٢). الأنفال (٨) : ٤٦.
(٣). الشورى (٤٢) : ٤٣.
(٤). التوبة (٩) : ١١١.
(٥). الزمر (٣٩) : ١٠.
(٦). ابراهيم (١٤) : ٢٣ ؛ الشورى (٤٢) : ٢١.