وذلك أنّ كلّ عمل لغاية مقصودة يراد به غير الله سبحانه : إمّا لعزّة عنده يطمع فيها ، أو لقوّة يخاف منها ويحذر عنها ، وقد قال تعالى : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (١) وقال : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (٢) فلا موضوع لرياء ولا سمعة ولا خوف من غيره تعالى ، ولا رجاء لغيره تعالى ، ولا ركون إلى غيره تعالى ، فهذان العلمان إذا تمّا يغسلان كلّ ذميمة فعل أو وصف عن الإنسان ، ثمّ ينمّيان وينبتان في قلبه ويولّدان في نفسه كلّ ما يقابلها من الأوصاف الإلهيّة من القوّة بالله والعزّة بالله ومناعة وكبرياء واستغناء وهيبة إلهيّة ربّانيّة.
وأيضا تكرّر في كلامه أنّ : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣) و (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٤) وحقيقة هذا الملك لا تبقى لموجود استقلالا بوجه من الوجوه ، فلا شيء إلّا وهو المالك لذاته ولكلّ ما لذاته ، وإيمان العبد بهذا الملك وتحقّقه به يوجب سقوط جميع الأشياء ذاتا ووصفا وفعلا عنده عن درجة الاستقلال ، وهذا الإنسان لا يمكنه أن يريد غير وجهه سبحانه ، ولا أن يخضع لشيء أو يخاف أو يرجو شيئا ، أو يلتذّ ويبتهج بشيء ، أو يركن لشيء ، أو يتوكّل على شيء ، أو يسلّم أو يفوّض إلى شيء ، غير وجهه سبحانه.
وبالجملة : لا يريد ولا يطلب إلّا وجهه الباقي بعد فناء كلّ شيء ، ولا يعرض ولا يهرب إلّا عن غيره ، الذي لا يرى لوجوده وقعا ، ولا يعبأ به قبال وجود بارئه ـ عزوجل ـ
__________________
(١). النساء (٤) : ١٣٩.
(٢). البقرة (٢) : ١٦٥.
(٣). البقرة (٢) : ١٠٧ ؛ المائدة (٥) : ٤٠ ؛ الزخرف (٤٣) : ٨٥.
(٤). البقرة (٢) : ١١٦ ؛ النحل (١٦) : ٥٢.