المزاج إلى العناصر المختلطة الذي هو كيفيّة متوسطة ، فهذه هي الفضائل الكلّية ، وهي اعتدال القوى.
والرذائل بالنسبة إليها خروج النفس فيها من حدّ الاعتدال إلى أحد جانبي الافراط والتفريط ، وهي الشره والخمود في الشهوة ، والتهوّر والجبن في الشجاعة ، والجربزة والبلادة في الفكر.
والغاية في إصلاحها حصول الفضيلة ـ التي هي الكمال بحكم العقل ـ للإنسان من حيث وقوعه في هذه النشأة الطبيعيّة وحياته الاجتماعيّة فيها ، وبقاؤه بعد الارتحال عنها في الآخرة.
فعلى محصّل الفضائل الخلقيّة أن يضع كلّ قوّة من قواه الوجوديّة موضعها ويحصّل آثارها ، ثمّ لا يبطلها بإبطال آثارها وهو التفريط ، ولا يخلّيها تفعل كل ما تريد وتشتهي ، بحيث يزاحم بفعلها سائر القوى العمّالة أعمّ من نفسه وغيره في هذا العالم الطبيعي ، وبعده في الآخرة ، والغاية ـ التي هي الفضيلة ـ ربّما أدركها العقل الاجتماعي ، وربّما اختصّ بإثباتها الشريعة الإلهيّة ، هذا جملة القول فيها.
ثمّ إذا تأمّلت التأمّل التامّ في المسلك الثالث ، وجدته فاقدا للتّرتيب المذكور ، وغير دائر مدار اعتدال القوى ، والغاية هناك غير الغاية.
توضيح ذلك بنحو الإجمال : أنّ الإنسان إذا تحقّق بحقيقة الإيمان صار يعبد الله كأنّه يراه ، فإن لم يكن يراه فإنّه تعالى يراه ، وصار كأنّه يشاهده في أسمائه وأفعاله ، فاشتدّ حبّه له تعالى ؛ إذ الإنسان مفطور على حبّ الجميل ، وقد قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (١) وصار يتّبع الرسول في جميع حركاته
__________________
(١). البقرة (٢) : ١٦٥.